أخبار الثورة السورية المباركة - اخوانكم في ليبيا معكم يا رجال ويا حرائر سوريا



فلم - كشف اللثام عن المنافق المجرم الصوفي البوطي عدو أهل الشام
فلم - كشف اللثام عن المجرم الصوفي البوطي عدو أهل الشام



دعم الثورة الجزائرية ضد النظام الجزائري الدموي العميل لاسرائيل

Asharis .. The Other Face

أشاعرة يدنسون ويدوسون على المصاحف ويكتبون الاسماء الحسنى بالغائط ! استماع ۞ الامام الاشعري وشيخه وتلاميذه مجسمة ۞ شيخ أشعري كذاب رماه الله تعالى بالخبث في العضو فمات !! ماذا فعل ؟ ۞ دفاع القرطبي عن ابن عبدالبر من اعتداء جهلة الأشعرية ودليل تجسيم الامام الاشعري !!! ۞ د. عبد الرحمن دمشقية: الامام الاشعري يثبت الحد!
السواد الاعظم... ... أم الكذب الأعظم؟
أشاعرة اليوم (الشعبوريون) أشر قولا من اليهود والنصارى !
روى أمير المؤمنين في الحديث الإمام البخاري (صاحب صحيح البخاري) في كتابه خلق أفعال العباد ج1ص30 باب ذكر أهل العلم للمعطلة وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ عَامِرٍ: " الْجَهْمِيَّةُ أَشَرُّ قَوْلًا مِنَ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى، قَدِ اجْتَمَعَتِ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى، وَأَهْلُ الْأَدْيَانِ أَنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى عَلَى الْعَرْشِ، وَقَالُوا هُمْ: لَيْسَ عَلَى الْعَرْشِ شَيْءٌ "

فرقة الأحباش .. الوجه الآخر

الاحباش المرتزقة .. الوجه الآخر
وإن منهم لفريقا يلوون ألسنتهم بالكتاب لتحسبوه من الكتاب وما هو من الكتاب
ويقولون هو من عند الله وما هو من عند الله ويقولون على الله الكذب وهم يعلمون : آل عمران - 75

الصوفية .. الوجه الآخر - وكذبة الصوفية الحقة

واجهة التصوف إدّعاء الإحسان .. والوجه الآخر عبادة الأموات !
موقع الصوفية - صوفية حضرموت - الحوار مع الصوفية - شرار الخلق - التصوف العالم المجهول
۞ الاحسان الصوفي ۞ روى الشعراني : إذا صحبت فاصحب الصوفية فإن للقبيح عندهم وجوهاً من المعاذير وليس للحُسن عندهم كبير موقع يعظمونك به ۞ يقول الصوفي المغربي أبو لبابة حسين عن الصوفية : "فهم لا يترددون بالاستشهاد حتى بالموضوع من الحديث إذا كان ذلك يخدم قضيتهم" ا.هـ موقف متصوفة افريقيا وزهادها من الاحتلال العبيدي
Sufism .. The Other Face
The Outward is claiming Ihsan .. The inward is Graveworship (deadworship) !
Cleanse the houses of Allah .. from the corpses of Sufis

أسرار كتاب الغزالي إحياء علوم الدين - للشيخ نظام اليعقوبي استماع
رحلتي مع جماعة التبليغ - للصوفي السابق الشيخ :عباس الشرقاوي Angry face
ست محاضرات خطيرة! في كشف أسلحة الصوفية السرية في استغفال المسلمين علمائهم وعامتهم (اضغط على السهمين المتعاكسين للانتقال بين المحاضرات)
دينُ الصوفيةِ أصبحَ خَرِقاً - الدكتور الصوفي :فرحان المحيسن الصالح يطلقها مدوية !
خطبة مؤثرة جدا ! من يرد النجاة فليصدق ويستمع الى الخطبة

01 أغسطس، 2010

الأدلة العقلية على بطلان مذهب المفوضة أهل التفويض

بسم الله الرحمن الرحيم

للفائدة وللمزيد من الادلة العقلية : كل شئ عن التفويض
هذا المقال مقتطف من مقال :
توحيد الأسماء والصفات : منزلته وأصوله وخصائصه والرد على المفوضة/ عبد الله السيباني

الأدلــــــــة العقلية على بطلان مذهب التفويض

الأدلــــــــة العقلية:
و لقد دل العقل على فهم المكلف لمعاني الأسماء و الصفات الإلهية من عدة أوجه:

الوجه الأول : أن القول بالتفويض يسلِّط الملحدين القائلين بالتخييل ،"و هم الذين اعتقدوا أنَّ الرسل لم تُفصح للخلق بالحقائق ؛إذ ليس في قواهم إدراكها ،و إنما خيَّلت لهم ،و أبرزت المعقول في صورة المحسوس.
قالوا : "و لو دعت الرسلُ أممهم إلى الإقرار بربٍّ لا داخل العالم ،و لا خارجه ،و لا محايثاً له ،و لا مبايناً له ،و لا متصلاً به ،و لا منفصلاً عنه ،و لا فوقه ،و لا تحته ،و لا عن يمينه ،و لا عن يساره : لنَفَرَت عقولهم من ذلك ،و لم تصدِّق بإمكان وجود هذا الموجود ،فضلاً عن وجوب وجوده، و كذلك لو أخبروهم بحقيقة كلامه ،و أنه فيض فاض من المبدأ الأوَّل على العقل الفعال ،ثم فاض من ذلك العقل على النفس الناطقة الزكية المستعدَّة : لم يفهموا ذلك ،و لو أخبروهم عن المعاد الروحاني بما هو عليه : لم يفهموه ؛فقرَّبوا لهم الحقائق المعقولة في إبرازها في الصور المحسوسة ، و ضربوا لهم الأمثال بقيام الأجساد من القبور في يوم العرض و النشور ،و مصيرها إلى جنة فيها أكلٌ و شربٌ و لحم و خمر و جوار حسان ،أو نار فيها أنواع العذاب ؛ تفهيماً للذة الروحانية بهذه الصورة ،و الألم الروحاني بهذه الصورة ،و هكذا فعلوا في وجود الرب و صفاته و أفعاله ؛ضربوا لهم الأمثال بموجود عظيم جداً أكبر من كلِّ موجود ،و له سرير عظيم ،و هو مستوٍ فوق سريره : يسمع ،و يبصر ،و يتكلم ،و يأمر ، و ينهى ،و يرضى ،و يغضب ،و يأتي ،و يجيء ،و ينزل ،و له يدان ،و وجه ،و يفعل بمشيئته و إرادته ،و إذا تكلم العبادُ سمع كلامهم ،و إذا تحركوا رأى حركاتهم ،و إذا هجس في قلب أحد منهم هاجسٌ علمه ،و أنه ينـزل كلَّ ليلة إليهم إلى سمائهم هذه ،فيقول : "من يسألني فأعطيه ،و من يستغفرني فأغفر له"،إلى غير ذلك مما نطقت به الكتب الإلهية.
قالوا : "و لا يحل لأحد أنْ يتأول ذلك على خلاف ظاهره للجمهور ؛لأنه يفسد ما وُضِعَت له الشرائع ،و الكتب الإلهية ،و أما الخاصة فهم يعلمون أنَّ هذه أمثالٌ مضروبة لأمورٍ عقلية تعجز عن إدراكها عقول الجمهور ،فتأويلها جنايةٌ على الشريعة و الحكمة ،و إقرارها إقرار للشريعة و الحكمة.
قالوا : "و عقول الجمهور بالنسبة إلى هذه الحقائق أضعف من عقول الصبيان بالنسبة إلى ما يدركه عقلاء الرجال ،و أهل الحكمة منهم ،و الحكيم إذا أراد أن يخوف الصغير ،أو يَبسط أمله خوَّفه ،و رجاه بما يناسب فهمه و طبعه".
و حقيقة الأمر عند هذه الطائفة : أنَّ الذي أخبرت به الرسل عن الله و صفاته و أفعاله ،و عن اليوم الآخر لا حقيقة له ،يطابق ما أخبروا به ،و لكنه أمثال و تخييل و تفهيم بضرب الأمثال ،و قد ساعدهم أرباب التأويل على هذا المقصد في باب معرفة الله و أسمائه و صفاته ،و صرَّحوا في ذلك بمعنى ما صرح به هؤلاء في باب المعاد و حشر الأجساد ،بل نقلوا كلماتهم بعينها إلى نصوص الاستواء و الفوقية ،و نصوص الصفات الخبرية ، لكن هؤلاء أوجبوا ،أو سوَّغوا تأويلها بما يخرجها عن حقائقها و ظواهرها ،و ظنوا أنَّ الرسل قصدت ذلك من المخاطبين تعريضاً لهم إلى الثواب الجزيل ببذل الجهد في تأويلها أو استخراج معانٍ تليق بها ،و حملها عليها ،و أولئك حرَّموا التأويل ،و رأوه عائداً على ما قصدته الأنبياء بالإبطال ،و الطائفتان متفقتان على انتفاء حقائقها المفهومة منها في نفس الأمر "[الصواعق 2/418-422]

قال شيخ الإسلام ابن تيمية –رحمه الله- (ت728) : " فإذا كانت الأمور العلمية -التى أخبر الله بها فى القرآن- لا يعرفها الرسول –صلى الله عليه وسلم-كان هذا من أعظم قدح الملاحدة فيه ،و كان حجةً لما يقولونه من أنه كان لا يعرف الأمور العملية [في المطبوعة :"العلمية"]،أو أنه كان يعرفها ،و لم يبينها ،بل إن هذا القول يقتضي أنه لم يكن يعلمها ؛فإنَّ ما لا يعلمه إلا الله لا يعلمه النبى ،و لا غيره"ا.ه.["مجموع الفتاوى"17/399]
و قال –أيضاً- : "إذا قيل :"إنَّ نفس الكلام -الذي جاء به- قد كان لا يفهم معناه" : قالوا : "فغيره من العلوم العقلية أولى أن لا يفهم معناه" ،و الكلام إنما هو في صفات الرب ،فإذا قيل : "إن ما أنزل عليه من صفات الرب لم يكن هو ،و لا غيره يفهمه ،و هو كلامُ أميٍّ عربي ينزل عليه" : قيل : "فالمعاني المعقولة في الأمور الإلهية أولى أن لا يكون يفهمها ،و حينئذ فهذا الباب لم يكن موجوداً في رسالته ،و لا يؤخذ من جهته : لا من جهة السمع ،و لا من جهة العقل" ؛ قالت الملاحدة : "فيؤخذ من طريق غيره".
فإذا قال لهم هؤلاء : "هذا غير ممكن لأحدٍ" : منعوا ذلك ؛و قالوا : "إنما في القرآن أن ذلك الخطاب لا يعلم معناه إلا الله ،لكن من أين لكم أنَّ الأمور الإلهية لا تُعلم بالأدلة العقلية -التى يقصر عنها البيان بمجرد الخطاب و الخبر-؟".
و الملاحدة يقولون : "إنَّ الرسل خاطبت بالتخييل" ،و أهل الكلام يقولون : "بالتأويل" ، و هؤلاء الظاهرية [أي : المفوضة] يقولون بالتجهيل ،و قد بُسط الكلام على خطأ الطوائف الثلاث ،و بُيـِّن أنَّ الرسول –صلى الله عليه وسلم-قد أتى بغاية العلم ،و البيان -الذي لا يمكن أحداً من البشر أنْ يأتي بأكمل مما جاء به -صلى الله عليه و سلم تسليماً- ؛فأكمل ما جاء به القرآن ،و الناس متفاوتون فى فهم القرآن تفاوتاً عظيماً"ا.ه.["مجموع الفتاوى"16/413-414،وانظر السابق17/397،"الصواعق المرسلة"2/677،769]

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

الوجه الثاني : "أنَّ من العظيم أنْ يقال : "إن الله أنزل على نبيه –صلى الله عليه وسلم-كلاماً لم يكن يفهم معناه : لا هو و لا جبريل ،بل و على قول هؤلاء كان النبى -صلى الله عليه و سلم- يحدِّث بأحاديث الصفات و القدر و المعاد و نحو ذلك مما هو نظير متشابه القرآن –عندهم- ،و لم يكن يعرف معنى ما يقوله ،و هذا لا يُظـنُّ بأقـلِّ الناس".["مجموع الفتاوى"17/396]

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

الوجه الثالث : أنَّ المراد بالكلام معانيه ، بواسطة ألفاظه ، فالمعاني مقاصد ،و الألفاظ وسائل ،فمحال أنْ يُراد بالكلام الوسائل دون المقاصد،و بخاصة أفضل الكلام،و أفصحه ، و أبينه –و هو كلام الله ،و كلام رسوله -صلى الله عليه وسلم- .[انظر:" "مجموع الفتاوى"17/398]

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

الوجه الرابع : أنَّ القول بالتفويض يقتضي أنَّ النصوص الشرعية من الكتاب و السنة جاءت بما ظاهرُهُ الباطل من التجسيم ،و التركيب ،و التمثيل ...إلخ،فكان ترْك الناس بلا كتاب و لا سنة خيراً لهم من تعريضهم لاعتقاد ما لا يليق بالله -تعالى-.

قال ابن قيم الجوزية –رحمه الله- في ردِّه على أهل التأويل ،و أهل التفويض (ت751) : "إنَّ هذا القانون مضمونه جحد الرسالة في الحقيقة ،و إنْ أقرَّ بها صاحبه بلسانه ،بل مضمونه أنَّ ترك الناس بلا رسول يُرسل إليهم خيرٌ من أنْ يرسَل إليهم رسولٌ ،و أنَّ الرسل لم يهتد بهم أحد في أصول الدين، بل ضل بهم الناس ،و ذلك أن القرآن على ما اعتقده أرباب هذا القانون [أي : قانون التأويل و التحريف] لا يستفاد منه علم ،و لا حجة ،بل إذا علمنا بعقولنا سبباً اعتقدناه ،ثم نظرنا في القرآن : فإنْ كان موافقاً لذلك أقررناه على ظاهره ؛لكونه معلوماً بذلك الدليل العقلي -الذي استفدناه به-، لا بكون الرسول –صلى الله عليه وسلم- أخبر به ،و إن كان ظاهره مخالفاً لما عرفناه ،و استنبطناه بعقولنا اتبعنا العقل ،و سلكنا في السمع طريقة التأويل ،أو الإعراض و التفويض ،فأيُّ فائدةٍ حصلت إذاً بأخبار الرسول –صلى الله عليه وسلم- ،بل مضمون ذلك أنا حصلنا على العناء الطويل لاستخراج وجوه التأويلات المستلزمة ،أو التعرض لاعتقاد الباطل و الضلال بحمل الكلام على ظاهره ؛فكانت الأدلة اللفظية مقتضيةً لضلال هؤلاء ،و لعناء أولئك ،فأين الهدى و الشفاء -الذي حصل بها لهؤلاء ،و هؤلاء-؟!و من العجب اعتراف أرباب هذا القانون بهذا ،و جوابهم عنه بجواب أهل الإلحاد ،و هو أنَّ المخاطَبين لم يكونوا يفهمون الحقائق ؛فضُربت لهم الأمثال من غير أنْ يكون المخبَر [به] ثابتاً في نفس الأمر ،فراجع كتب القوم تجدْ ذلك فيها"ا.ه[الصواعق 2/770-771]

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــ

الوجه الخامس : لما كان مذهب التفويض قائماً على كون المعنى الظاهر من نصوص الأسماء و الصفات ،أو بعضها غير مراد،و كان ظاهرها يدل على إثبات هذه المعاني حقيقةً على ما يليق بالله –تعالى-،و كان حال الناس يقتضي فهم هذا الظاهر ،و اعتقاد موجَبِهِ : لزم أنْ يَعقب كلَّ نص من هذه النصوص،أو بعضها ما يمنع من فهم هذا الظاهر،و اعتقادِ موجَبِهِ،أو أنْ يرد نص مستقل بذلك غير متراخٍ،و لما لم يكن شئ من ذلك : عُلم بطلان مذهب التفويض؛لأنه إذا امتنع تأخير البيان عن وقت الحاجة ،و بخاصة في أعظم أمور الدين ؛ فلأن يمتنع عدم هذا البيان من باب أولى.

قال أبو الحسن الأشعري -رحمه الله- (ت324) : "و معلوم عند سائر العقلاء أن ما دعا النبي –صلى الله عليه و سلم- إليه مَنْ واجهه من أمته من اعتقاد حَدَثهم ،و معرفة المحدِث لهم ،و توحيده ،و معرفة أسمائه الحسنى ،و ما هو عليه من صفات نفسه ،و صفات فعله ،و تصديقه فيما بلغهم من رسالته مما لا يصح أن يؤخر عنهم البيان فيه ؛لأنه لم يجعل لهم فيما كلفهم من ذلك من مهلة ،و لا أمرهم بفعله في الزمن المتراخي عنه ،و إنما أمرهم بفعل ذلك على الفور.
و إذا كان ذلك من قِبَل أنه لو أخَّـر ذلك عنهم لكان قد كلفهم ما لا سبيل لهم إلى فعله ،و ألزمهم ما لا طريق لهم إلى الطاعة فيه ،و هذا غير جائز عليه لما يقتضيه ذلك من بطلان أمره ،و سقوط طاعته.
و هذا المعنى لم تجد عن أحد من صحابته خلافاً في شيء مما وقف -عليه السلام- جماعتهم عليه ،و لا شك في شيء منه ،و لا نقل عنهم كلام في شيء من ذلك ،و لا زيادة على ما نبههم عليه من الحجج ،بل نصوا جميعاً -رحمة الله عليهم- على ذلك ،و هم متفقون ،لا يختلفون في حَدَثهم ،و لا في توحيد المحدِث لهم ،و أسمائه و صفاته ،و تسليم جميع المقادير إليه ،و الرضا فيها بأقسامه لما قد ثلجت به صدورهم ،و تبينوا وجوه الأدلة -التي نبههم عليها عند دعائه لهم إليها ،و عرفوا بها صدقه في جميع ما أخبرهم به-"ا.ه.["رسالة إلى أهل الثغر"ص177-179]

و قال عبدالله بن يوسف الجويني الشافعي –رحمه الله-(ت438) :"و كنت أخاف من إطلاق القول بإثبات العلو و الاستواء و النزول مخافة الحصر و التشبيه ،و مع ذلك فإذا طالعتُ النصوص الواردة في كتاب الله ،و سنة سوله –صلى الله عليه و سلم- أجدها نصوصاً تشير إلى حقائق هذه المعاني ،و أجد الرسول -صلى الله عليه و سلم- قد صرَّح بها مخبراً عن ربه ،واصفاً له بها ،و أعلم بالاضطرار أنه كان يحضر في مجلسه الشريف العالم ،و الجاهل ،و الذكي ،و البليد ،و الأعرابي الجافي ، ثم لا أجد شيئاً يعقب تلك النصوص -التي كان- صلى الله عليه و سلم- يصف بها ربه : لا نصَّاً ،و لا ظاهراً مما يصرفها عن حقائقها ،و يؤولها كما تأولها هؤلاء مشايخي الفقهاء المتكلمون ،مثل تأويلهم الاستواء بالاستيلاء ،و النزول بنزول الأمر ،و غير ذلك ،و لم أجد عنه- صلى الله عليه و سلم- أنه كان يحذِّر الناس من الإيمان بما يظهر من كلامه في صفة ربه من الفوقية و اليدين و غيرهما ،مثل أن ينقل عنه مقالة تدل على أن لهذه الصفات معاني أُخر باطنة غير ما يظهر من مدلولها ،مثل فوقية المرتبة ،و يد النعمة "،ثم ذكر جملة من نصوص الصفات.["النصيحة في صفات الرب"ص4]

و قال مرعي بن يوسف الكرمي المقدسي الحنبلي –رحمه الله- (ت1033) : "و يجد الناظر في النصوص الواردة عن الله ،و رسوله –صلى الله عليه و سلم- في ذلك نصوصاً تشير إلى حقائق هذه المعاني ،و يجد الرسول - صلى الله عليه و سلم- : تارة قد صرح بها مخبراً بها عن ربه ،و اصفاً له بها.
و من المعلوم أنه -عليه السلام- كان يحضر في مجلسه الشريف ،و العالم و الجاهل ،و الذكي و البليد ،و الأعرابي الجافي ،ثم لا يجد شيئاً يعقب تلك النصوص مما يصرفها عن حقائقها : لا نصاً و لا ظاهراً كما تأولها بعض هؤلاء المتكلمين ،و لم ينقل عنه -عليه السلام- أنه كان يحذِّر الناس من الإيمان بما يظهر من كلامه في صفته لربه من الفوقية و اليدين و نحو ذلك ،و لا نقل عنه أن لهذه الصفات معاني أخر باطنة غير ما يظهر من مدلولها ،و لما قال للجارية : "أين الله؟ فقالت : "في السماء" لم ينكر عليها بحضرة أصحابه كي لا يتوهموا أن الأمر على خلاف ما هو عليه ،بل أقرها ،و قال : "أعتقها ؛فإنها مؤمنة" ،إلى غير ذلك من الدلائل -التي يطول ذكرها- ،و لم يقل الرسول –صلى الله عليه و سلم-،و لا أحد من سلف الأمة يوماً من الدهر: " هذه الآيات و الأحاديث لا تعتقدوا ما دلت عليه" ؛وكيف يجوز على الله و رسوله –صلى الله عليه و سلم-،و السلف أنهم يتكلمون دائماً بما هو نص أو ظاهر في خلاف الحق ،ثم الحق -الذي يجب اعتقاده- لا يتكلمون به ،و لا يدلون عليه" ا.ه["أقاويل الثقات في تأويل الأسماء والصفات والآيات المحكمات والمشتبهات"ص85-86]

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

الوجه السادس : أنَّ العقل الصريح يدل على على عدم تكييف صفات الله –تعالى- الواردة في الكتاب و السنة من أوجه عديدة ،سيأتي ذكرها مفصَّلةً في الكلام على الأصل الثالث من أصول مذهب أهل السنة و الجماعة في هذا الباب،و هو "نفي التكييف" –إن شاء الله-.
و هذا يقتضي فهم معاني الصفات الإلهية ؛ لأن نفي العلم بالكيفية مع عدم العلم بالمعنى عبثٌ.

قال ابن تيمية –رحمه الله- (ت728) : "لو لم يكن معنى الاستواء فى الآية معلوماً لم يحتج أن يقول : "الكيف مجهول" ؛ لأن نفي العلم بالكيف لا يُنفَى إلا [عن] ما قد عُلم أصله ،كما نقول : "إنا نقر بالله ،و نؤمن به ،و لا نعلم كيف هو""ا.ه.["مجموع الفتاوى"5/145]

و قال ابن قيم الجوزية -رحمه الله- (ت751):"إن العقل قد يئس من تعرُّف كنه الصفة ،و كيفيتها ؛فإنه لا يعلم كيف الله إلا الله ،و هذا معنى قول السلف : "بلا كيف" أي : بلا كيف يعقله البشر ؛فإن من لا تعلم حقيقة ذاته ،و ماهيته كيف تعرف كيفية نعوته ،و صفاته ،و لا يقدح ذلك في الإيمان بها ،و معرفة معانيها ؛فالكيفية وراء ذلك ؛كما أنا نعرف معاني ما أخبر الله به من حقائق ما في اليوم الآخر ،و لا نعرف حقيقة كيفيته ،مع قرب ما بين المخلوق و المخلوق ؛فعجزنا عن معرفة كيفية الخالق ،و صفاته أعظم و أعظم"ا.ه.["مدارج السالكين منازل إياك نعبد وإياك نستعين"3/376]

و قال عبدالله بن يوسف الجويني الشافعي -رحمه الله- (ت438) : "لا ريب أنا نحن وإياهم متفقون على إثبات صفات الحياة و السمع و البصر و العلم و القدرة و الإرادة و الكلام لله –تعالى- ،و نحن قطعاً لا نعقل من الحياة إلا هذا العرض -الذي يقوم بأجسامنا- ،و كذلك لا نعقل من السمع و البصر إلا أعراضاً تقوم بجوارحنا ،فكما أنهم يقولون : "حياته ليست بعرض ،و علمه كذلك ،و بصره كذلك ،هي صفات كما يليق به ،لا كما يليق بنا" : فكذلك نقول نحن : "حياته معلومة ،و ليست مكيفة ،و علمه معلوم ،و ليس مكيفا ،و كذلك سمعه و بصره معلومان ،وليس جميع ذلك أعراضاً ، بل هو كما يليق به ،و مثل ذلك بعينه فوقيته ،و استواؤه ،و نزوله ؛ففوقيته معلومة -أعني ثابتة كثبوت حقيقة السمع ،و حقيقة البصر ؛فإنهما معلومان، و لا يكيفان ،كذلك فوقيته معلومة ثابتة غير مكيفة كما يليق به ،و استواؤه على عرشه معلوم ثابت كثبوت السمع و البصر ،غير مكيف ،و كذلك نزوله ثابت معلوم غير مكيف بحركة و انتقال يليق بالمخلوق ،بل كما يليق بعظمته و جلاله ،و صفاته معلومة من حيث الجملة و الثبوت ،غير معقولة له [أي:المؤمن] من حيث التكييف و التحديد ،فيكون المؤمن بها مبصراً من وجه ،أعمى من وجه : مبصراً من حيث الإثبات و الوجود ،أعمى من حيث التكييف و التحديد ،و بها يحصل الجمع بين الإثبات لما وصف الله به نفسه ،و بين نفي التحريف و التشبيه و الوقوف [أي :التفويض] ،و ذلك هو مراد الله –تعالى- منا في إبراز صفاته لنا ؛لنعرفه بها ،و نؤمن بحقائقها ،و ننفي عنها التشبيه ،و لا نعطلها بالتحريف و التأويل ،و لا فرق بين الاستواء و السمع ،و لا بين النزول و البصر ؛لأن الكل ورد في النص ،فإن قالوا لنا في الاستواء : "شبهتم" نقول لهم في السمع : "شبهتم ،و وصفتم ربكم بالعرض" ،و إن قالوا : "لا عرض ،بل كما يليق به" قلنا في الاستواء و النزول و اليد و الوجه و القدم و الضحك و التعجب من التشبيه نلزمهم به في الحياة و السمع و البصر و العلم ؛فكما لا يجعلونها أعراضاً كذلك نحن لا نجعلها جوارح ،و لا مما يوصف به المخلوق ،و ليس من الإنصاف أن يفهموا في الاستواء و النزول و الوجه و اليد صفات المخلوقين ؛فيحتاجون إلى التأويل و التحريف، فإن فهموا في هذه الصفات ذلك فيلزمهم أن يفهموا في الصفات السبع صفات المخلوقين من الأعراض ،فما يلزموننا في تلك الصفات من التشبيه و الجسمية نلزمهم في هذه الصفات من العرضية ،و ما ينزهون ربهم به في الصفات السبع ،و ينفونه عنه من عوارض الجسم فيها فكذلك نحن نعمل في تلك الصفات -التي ينسبوننا فيها إلى التشبييه- سواء بسواء ،و من أنصف عرف ما قلناه ،و اعتقده ،و قَبِل نصيحتنا ،و دان الله بإثبات جميع صفاته هذه [و] تلك ،و نفى عن جميعها التعطيل و التشبيه و التأويل و الوقوف [أي: التفويض] ،و هذا مراد الله –تعالى- منا في ذلك لأن هذه الصفات و تلك جاءت في موضع واحد ،و هو الكتاب و السنة ،فإذا أثبتنا تلك بلا تأويل ،و حرفنا هذه ،و أولناها كان كمَن آمن ببعض الكتاب ،و كفر ببعض ،و في هذا بلاغ و كفاية "ا.ه.["النصيحة في صفات الرب"ص4]

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــ

الوجه الثامن : "أنه من أعظم المحال أنْ يكون المصنِّفون في جميع العلوم قد بينوا مرادهم ،و علم الناس مرادهم منها يقيناً : سواء كان ذلك المعلوم مطابقاً للحق ،أو غير مطابق له ،و يكون الله –تعالى- ،و رسوله –صلى الله عليه و سلم- لم يبين مراده بكلامه ،و لا تيقنت الأمة إلى الآن ما أراد بكلامه ؛فهذا لا يقوله إلا مَن هو من أجهل الناس بالله و رسوله و كلامه"["الصواعق المرسلة"2/766]

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

الوجه التاسع: أن القائلين بالتفويض منتناقضون ؛و التناقض مبطل لكل قول أو عمل يقع فيه،و قد وضح شيخ الإسلام ابن تيمية ،و تلميذه العلامة ابن قيم الجوزية –رحمهما الله- ذلك في مواضع من مصنفاتهما،و سأذكر منها هنا ما يكفي عن ما سواه :

قال شيخ الإسلام ابن تيمية –رحمه الله- (ت728) : "و هؤلاء -الذين ينفون التأويل مطلقاً ،و يحتجون بقوله –تعالى- : "و ما يعلم تأويله إلا الله"[آل عمران:] قد يظنون أنا خوطبنا فى القرآن بما لا يفهمه أحد ،أو بما لا معنى له ،أو بما لا يُفهم منه شىء.
و هذا مع أنه باطل فهو متناقضٌ ؛ لانا إذا لم نفهم منه شيئاً لم يجز لنا أن نقول : "له تأويل يخالف الظاهر ،و لا يوافقه" ؛لإمكان أن يكون له معنى صحيح ،و ذلك المعنى الصحيح لا يخالف الظاهر المعلوم لنا ؛فانه لا ظاهر له على قولهم ،فلا تكون دلالته على ذلك المعنى دلالةً على خلاف الظاهر فلا يكون تأويلاً،و لا يجوز نفي دلالته على معان لا نعرفها على هذا التقدير ؛فإن تلك المعانى -التى دل عليها- قد لا نكون عارفين بها ،و لأنا إذا لم نفهم اللفظ و مدلوله فلأن لا نعرف المعاني -التى لم يدل عليها اللفظ- أولى ؛لأن إشعار اللفظ بما يراد به أقوى من إشعاره بما لا يراد به،فإذا كان اللفظ لا إشعار له بمعنى من المعاني لا يُفهم منه معنى أصلاً لم يكن مشعراً بما أريد به فلأن لا يكون مشعراً بما لم يُرَد به أولى
، فلا يجوز أن يقال : "إن هذا اللفظ متأوَّل" بمعنى أنه مصروف عن الاحتمال الراجح إلى الاحتمال المرجوح ،فضلاً عن أن يقال : "إن هذا التأويل لا يعلمه إلا الله" ،اللهم إلا أن يُراد بالتأويل ما يخالف ظاهره المختص بالخلق ،فلا ريب أن من أراد بالظاهر هذا لا بد و أن يكون له تأويل يخالف ظاهره ،لكن إذا قال هؤلاء : "إنه ليس لها تأويل يخالف الظاهر" ،أو : "إنها تجرى على المعاني الظاهرة منها" كانوا متناقضين ، و إن أرادوا بالظاهر هنا معنى ،و هناك معنى فى سياق واحد من غير بيان كان تلبيساً.
و إن أرادوا بالظاهر مجرد اللفظ أي : تجرى على مجرد اللفظ -الذى يظهر- من غير فهم لمعناه : كان إبطالهم للتأويل ،أو إثباته تناقضاً ؛ لأن مَن أثبت تأويلاً ،أو نفاه : فقد فهم معنى من المعاني."ا.ه.[الرسالة التدمرية ضمن"مجموع الفتاوى"3/،وانظر5/35]

و قال –أيضاً- : "و هؤلاء أهل التضليل و التجهيل -الذين حقيقة قولهم : إن الأنبياء جاهلون ضالون ،لا يعرفون ما أراد الله بما وصف به نفسه من الآيات و أقوال الأنبياء- :
ثم هؤلاء منهم من يقول : "المراد بها خلاف مدلولها الظاهر و المفهوم ،و لا يعرف أحد من الأنبياء و الملائكة و الصحابة و العلماء ما أراد الله بها كما لا يعلمون وقت الساعة".
و منهم من يقول : "بل تُجرى على ظاهرها ،و تحمل على ظاهرها" ،و مع هذا فلا يعلم تأويلها إلا الله ؛فيتناقضون ؛حيث أثبتوا لها تأويلاً يخالف ظاهرها ،و قالوا ـ مع هذا ـ : "إنها تحمل على ظاهرها" ،و هذا ما أنكره ابن عقيل على شيخة القاضي أبي يعلى في كتاب : "ذم التأويل" "["درأتعارض العقل والنقل"1/15]

و قال ابن قيم الجوزية –رحمه الله- (ت751) : "إن أصحاب هذا القانون في قول مختلف ؛يؤفك عنه من أفك :
فتارة يقولون : "نحن نعلم انتفاء الظاهر قطعاً ،و أنه غير المراد ،و إن كنا لا نعلم عين المراد".
و تارة يقولون : "بل الرسول خاطب الخلق خطاباً جمهورياً يوافق ما عندهم ،و ما ألفوه ،و لو خاطبهم بإثبات موجود ،لا داخل العالم و لا خارجه،و لا يتكلم ،و لا يكلم ،و لا يُرى عياناً ،و لا يشار إليه : لقالوا : "هذه صفات معدومٍ ،لا موجود" ،فوقعوا في التعطيل ؛فكان الأصلح أن يأتي بألفاظ دالة على ما يناسب ما نحلوه ،و ألفوه ؛فيخلصهم من التعطيل.
فكيف يجتمع هذا القول و قولهم : "إن الظاهر غير مراد" ؛فإن كان قد أراد منهم الظاهر بطل قولهم : "إن الظاهر غير مراد" ،وإن أراد منهم التأويل يبطل قولهم : "إنه قصد خطابهم بما يخيل إليهم ،و يتمكنون معه من إثبات الصانع ،و يتخلصون من التعطيل"،فأي تناقض أشد من هذا ؛فإن أراد الظاهر فقد أراد –عندكم- إفهام الباطل -الذي دل عليه لفظه-،و إن لم يرد الظاهر ،بل أراد منهم التأويل لم يحصل الغرض -الذي ذكرتموه ،و لم يخلصوا من التعطيل ،و هذا لا حيلة لكم في دفعه.
فهما طريقتان باطلتان مضادتان لقصد الرسالة ؛هؤلاء يقولون أراد منهم أن يتخيلوا ما ينفعهم –و إن لم يكن حقاً في نفس الأمر-،و أصحاب التأويل يقولون : "أراد منهم ضد ذلك المعنى -الذي دل عليه كلامه و نصه" ،و تارة يقولون : "أراد منهم تأويل النصوص"،و تارة يقولون : "أراد منهم تفويضها" ،و قد نزه الله رسولَه –صلى الله عليه و سلم- عن أن يريد المعاني الباطلة ،أو يقصر في بيان ما أراده؛فإن الأول كذبٌ و تدليس و تلبيس ،و الثاني تقصير في البيان ،و إذا كان الرسول –صلى الله عليه و سلم-منزهاً عن هذا ،و هذا ؛ فالرب –تعالى- أولى بتنزيهه عن الأمرين.
و قد قام الدليل القطعي على تنزيه الله ،و رسوله عن ذلك ؛فلا يُقدح فيه بالشبه الخيالية الفاسدة"ا.ه.["الصواعق"2/771،وانظر2/423]
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــ
وللحديث بقيــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــة.
توحيدُالأسماءوالصِّفات:منزلتهُ،أصولهُ،خصائصهُ(الحلقة التاسعة)-الردعلى المفوضة-

بسم الله الرحمن الرحيم

في هذه الحلقة أنهي الكلام على الأدلة العقلية الدالة على بطلان مذهب التفويض،والحمدلله أولاً و آخراً.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

الوجه العاشر: أن القول بالتفويض مضادٌّ لحال النبي –صلى الله عليه و سلم-،و حال الصحابة –رضي الله عنهم- ،قال شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله- (ت728)،و قد سئل عن قوله في آيات الصفات و أحاديثها : "قولنا فيها ما قاله الله و رسوله – صلى الله عليه و سلم- ،و السابقون الأولون من المهاجرين و الأنصار و الذين اتبعوهم بإحسان ،و ما قاله أئمة الهدى بعد هؤلاء -الذين أجمع المسلمون على هدايتهم و درايتهم-؛و هذا هو الواجب على جميع الخلق في هذا الباب و غيره ؛فإن الله -سبحانه و تعالى- بعث محمداً -صلى الله عليه و سلم- بالهدى و دين الحق ؛ليخرج الناس من الظلمات إلى النور بإذن ربهم إلى صراط العزيز الحميد ،و شهد له بأنه بعثه داعياً إليه بإذنه و سراجاً منيراً ،و أمره أن يقول :"قل هذه سبيلي أدعو إلى الله على بصيرة أنا و من اتبعني"[يوسف:108]؛ فمن المحال في العقل و الدين أن يكون السراج المنير -الذى أخرج الله به الناس من الظلمات إلى النور ،و أنزل معه الكتاب بالحق ؛ليحكم بين الناس فيما اختلفوا فيه ،و أمر الناس أن يردوا ما تنازعوا فيه من أمر دينهم إلى ما بعث به من الكتاب و الحكمة ،و هو يدعو إلى الله ،و إلى سبيله بإذنه على بصيرة ،و قد أخبر الله بأنه أكمل له ،و لأمته دينهم ،و أتم عليهم نعمته_: محالٌ مع هذا ،و غيره أن يكون قد ترك باب الإيمان بالله ،و العلم به ملتبساً مشتبهاً ،و لم يميز بين ما يجب لله من الأسماء الحسنى و الصفات العليا ،و ما يجوز عليه ،و ما يمتنع عليه ؛ فإن معرفة هذا أصلُ الدين ،و أساس الهداية ،و أفضل ،و أوجب ما اكتسبته القلوب ،و حصلته النفوس ،و أدركته العقول ؛فكيف يكون ذلك الكتاب ،و ذلك الرسول ،و أفضل خلق الله بعد النبيين لم يُحكموا هذا الباب اعتقاداً و قولاً .
و من المحال –أيضاً- أن يكون النبى –صلى الله عليه و سلم- قد علم أمته كل شىء حتى الخِراءة ،و قال :"تركتكم على المحجة البيضاء ،ليلها كنهارها ؛لا يزيغ عنها بعدي إلا هالك"، و قال فيما صح عنه –أيضاً- : "ما بعث الله من نبى إلا كان حقاً عليه أن يدل أمته على خير ما يعلمه لهم ،و ينهاهم عن شر ما يعلمه لهم"، و قال أبو ذر –رضي الله عنه-:"لقد توفي رسول الله و ما طائرٌ يقلب جناحيه فى السماء إلا ذكر لنا منه علماً"،و قال عمر بن الخطاب –رضي الله عنه-:" قام فينا رسول الله مقاماً ؛فذكر بدء الخلق حتى دخل أهل الجنة منازلهم ،و أهل النار منازلهم ،حفظ ذلك من حفظه ،و نسيه من نسيه" رواه البخاري.
و محال مع تعليمهم كلَّ شىء لهم فيه منفعة فى الدين –و إن دقت- أن يترك تعليمهم ما يقولونه بألسنتهم ،و يعتقدونه فى قلوبهم فى ربهم و معبودهم رب العالمين -الذى معرفته غاية المعارف ،و عبادته أشرف المقاصد ،و الوصول إليه غاية المطالب ،بل هذا خلاصة الدعوة النبوية ،و زبدة الرسالة الإلهية-؛ فكيف يَتوهَّم مَن فى قلبه أدنى مسكة من إيمان و حكمة أنْ لا يكون بيان هذا الباب قد وقع من الرسول –صلى الله عليه و سلم- على غاية التمام.
ثم إذا كان قد وقع ذلك منه فمن المحال أن يكون خير أمته ،و أفضل قرونها قصَّروا فى هذا الباب زائدين فيه ،أو ناقصين عنه.
ثم من المحال –أيضاً- أن تكون القرون الفاضلة -القرن الذي بعث فيه رسول الله –صلى الله عليه و سلم- ،ثم الذين يلونهم ،ثم الذين يلونهم كانوا غير عالمين ،و غير قائلين فى هذا الباب بالحق المبين ؛لأن ضد ذلك :
إما عدم العلم و القول.
و إما اعتقاد نقيض الحق ،و قول خلاف الصدق.
و كلاهما ممتنعٌ :
أما الأول فلأن من فى قلبه أدنى حياة ،و طلب للعلم ،أو نهمة فى العبادة يكون البحث عن هذا الباب ،و السؤال عنه ،و معرفة الحق فيه أكبرَ مقاصده ،و أعظم مطالبه -أعني بيان ما ينبغي اعتقاده ،لا معرفةَ كيفية الرب ،و صفاته-؛ و ليست النفوس الصحيحة إلى شىء أشوق منها إلى معرفة هذا الأمر، و هذا أمر معلوم بالفطرة الوجدية.
فكيف يُتصور مع قيام هذا المقتضي -الذى هو من أقوى المقتضِيات- أنْ يتخلف عنه مقتضاه في أولئك السادة ،في مجموع عصورهم ،هذا لا يكاد يقع فى أبلد الخلق ،و أشدهم أعراضاً عن الله ،و أعظمهم إكباباً على طلب الدنيا ،و الغفلة عن ذكر الله –تعالى-؛ فكيف يقع في أولئك؟!
و أما كونهم كانوا معتقدين فيه غيرَ الحق ،أو قائليه فهذا لا يعتقده مسلم ،و لا عاقل عرف حالَ القوم.
ثم الكلام فى هذا الباب عنهم أكثر من أن يمكن سطْرُهُ فى هذه الفتوى ،و أضعافها ،يعرف ذلك مَن طلبه ،و تتبعه"ا.ه..["مجموع الفتاوى"5/،وانظر "الصواعق المرسلة على الجهمية والمعطلة"1/ لابن قيم الجوزية]
و يمكن بيان ما تقدم بأن يقال :"رسالة النبي -صلّى الله عليه و سلّم- تتضمن شيئين هما : العلم النافع، و العمل الصالح كما قال –تعالى-:"هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَ دِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَ لَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ"[التوبة:الاية33] .
فالهدى هو: العلم النافع.
و دين الحق هو: العمل الصالح -الذي اشتمل على الإخلاص لله، و المتابعة لرسوله -صلّى الله عليه و سلّم-.
و العلم النافع يتضمن كلَّ علم يكون للأمة فيه خير و صلاح في معاشها،و معادها،و أول ما يدخل في ذلك العلم بأسماء الله و صفاته و أفعاله؛ فإن العلم بذلك أنفع العلوم،و هو زبدة الرسالة الإلهية، و خلاصة الدعوة النبوية، و به قوام الدين قولاً، و عملاً، و اعتقاداً.
و من أجل هذا كان من المستحيل أن يهمله النبي -صلّى الله عليه و سلّم-، و لا يبيّنه بياناً ظاهراً ينفي الشكّ، و يدفع الشبهة، و بيان استحالته من وجوه :

الأول : أن رسالة النبي -صلّى الله عليه و سلّم- كانت مشتملة على النور و الهدى؛ فإن الله بعثه بشيراً و نذيراً، و داعياً إلى الله بإذنه، و سراجاً منيراً، حتى ترك أمته على المحجة البيضاء ليلها كنهارها، لا يزيغ عنها إلا هالك، و أعظم النور ،و أبلغه ما يحصل للقلب بمعرفة الله، و أسمائه، و صفاته، و أفعاله، فلا بد أن يكون النبي -صلّى الله عليه و سلّم- قد بيّنه غاية البيان.
الثاني : أن النبي -صلّى الله عليه و سلّم- علّم أمته جميع ما تحتاج إليه من أمور الدين و الدنيا، حتى آداب الأكل، و الشرب، و الجلوس، و المنام ،و غير ذلك ،قال أبو ذر - رضي الله عنه -: "لقد توفي رسول الله -صلّى الله عليه و سلّم- و ما طائر يقلب جناحيه إلا ذكر لنا منه علماً".
و لا ريب أن العلم بالله، و أسمائه، و صفاته، و أفعاله داخل تحت هذه الجملة العامة، بل هو أول ما يدخل فيه ؛لشدة الحاجة إليه.
الثالث : أن الإيمان بالله –تعالى- و أسمائه و صفاته و أفعاله هو أساس الدين، و خلاصة دعوة المرسلين، و هو أوجب ،و أفضل ما اكتسبته القلوب ،و أدركته العقول؛ فكيف يهمله النبي -صلّى الله عليه و سلّم- من غير تعليم ،و لا بيان مع أنه كان يعلِّم ما هو دونه في الأهمية و الفضيلة؟!
الرابع : " أن النبي -صلّى الله عليه و سلّم- كان أعلم الناس بربه، و هو أنصحهم للخلق، و أبلغهم في البيان و الفصاحة؛ فلا يمكن مع هذا المقتضي التام للبيان أن يترك باب الإيمان بالله و أسمائه و صفاته ملتبساً مشتبهاً.
الخامس : أن الصحابة - رضي الله عنهم - لا بد أن يكونوا قائلين بالحق في هذا الباب؛ لأن ضدّ ذلك "
إما السكوت.
و إما القول بالباطل.
و كلاهما ممتنع عليهم :
أمّا امتناع السكوت فوجهه: أن السكوت :
إمّا أن يكون عن جهل منهم بما يجبُ لله –تعالى- من الأسماء و الصفات، و ما يجوز عليه منها ،و يمتنع.
و إمّا أن يكون عن علم منهم بذلك ،و لكن كتموه.
و كلٌّ منهما ممتنع :
أما امتناع الجهل : فلأنه لا يمكن لأي قلب فيه حياة، و وعي ،و طلب للعلم، و نهمة في العبادة إلا أن يكون أكبر همّه هو البحث في الإيمان بالله –تعالى-، و معرفته بأسمائه و صفاته، و تحقيق ذلك علماً و اعتقاداً.
و لا ريب أن القرون المفضلة ،و أفضلهم الصحابة هم أبلغ الناس في حياة القلوب، و محبة الخير، و تحقيق العلوم النافعة، كما قال النبي -صلّى الله عليه و سلّم-: "خير الناس قرني، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم" ، و هذه الخيرية تعمُّ فضلهم في كل ما يُقرّب إلى الله من قول، و عمل، و اعتقاد.
ثم لو فرضنا أنهم كانوا جاهلين بالحق في هذا الباب لكان جهل مَنْ بعدهم من باب أولى؛ لأن معرفة ما يُثْبَتُ لله –تعالى- من الأسماء و الصفات، أو يُنْفَى عنه إنما تُتَلقَّى من طريق الرسالة، و هم الواسطة بين الرسول -صلّى الله عليه و سلّم- و بين الأمة، و على هذا الفرض يلزم أن لا يكون عند أحد علم في هذا الباب، و هذا ظاهر الامتناع.
و أما امتناع كتمان الحق : فلأنّ كل عاقل منصف عرف حال الصحابة - رضي الله عنهم - ،و حرصهم على نشر العلم النافع، و تبليغه الأمة فإنه لن يمكنه أن ينسب إليهم كتمان الحق – و لا سيما في أوجب الأمور، و هو معرفة الله و أسمائه و صفاته-.
ثم إنه قد جاء عنهم من قول الحق في هذا الباب شيء كثير يعرفه من طلبه وتتبّعه.

و أما امتناع القول بالباطل عليهم فمن وجهين :
أحدهما : أن القول بالباطل لا يمكن أن يقوم عليه دليل صحيح.
و من المعلوم أن الصحابة - رضي الله عنهم - أبعد الناس عن القول فيما لم يقم عليه دليل صحيح، خصوصاً في أمر الإيمان بالله –تعالى-، و أمور الغيب، فهم أولى الناس بامتثال قوله –تعالى-: "وَ لا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ "[الإسراء: 36] ، و قوله : "قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَ مَا بَطَنَ وَ الإثْمَ وَ الْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَ أَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَاناً وَ أَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ"[الأعراف: الاية33] .
ثانيهما : أن القول بالباطل :
إما أن يكون مصدره الجهل بالحق.
و إما أن يكون مصدره إرادة ضلال الخلق.
و كلاهما ممتنعٌ في حق الصحابة -رضي الله عنهم- :
أما امتناع الجهل فقد تقدّم بيانه.
و أما امتناع إرادة ضلال الخلق : فلأن إرادة ضلال الخلق قصدٌ سيئ، لا يمكن أن يصدر من الصحابة -الذين عُرفوا بتمام النصح للأمة، و محبة الخير لها.
ثم لو جاز عليهم سوء القصد فيما قالوه في هذا الباب لجاز عليهم سوء القصد فيما يقولونه في سائر أبواب العلم و الدين؛ فتعدم الثقة بأقوالهم و أخبارهم في هذا الباب و غيره، و هذا من أبطل الأقوال؛ لأنه يستلزم القدح في الشريعة كلها.
و إذا تبين أن الصحابة - رضي الله عنهم - لا بدَّ أن يكونوا قائلين بالحق في هذا الباب فإنهم :
إما أن يكونوا قائلين ذلك بعقولهم.
أو من طريق الوحي.
و الأول ممتنع ؛ لأن العقل لا يُدْرِك تفاصيل ما يجب لله –تعالى- من صفات الكمال؛ فتعين الثاني، و هو أن يكونوا تلقوا هذه العلوم من طريق رسالة النبي -صلّى الله عليه و سلّم-، فيلزم على هذا أن يكون النبي -صلّى الله عليه و سلّم- قد بين الحق في أسماء الله و صفاته، و هذا هو المطلوب"ا.ه.[" فتح رب البرية بتلخيص الحموية"ص3-4لابن عثيمين]


0 comments:

إرسال تعليق

أرشيف المدونة الإلكترونية